Sign up for PayPal and start accepting credit card payments instantly.

Monday, February 15, 2010

رونيه ديكارت

رونيه ديكارت (1596-1650)

فيلسوف وعالم رياضيات وفيزيائي ومثقف موسوعي فرنسي. يُعتبَر مؤسِّس الرياضيات الحديثة، إذ قام بتبسيط الكتابة الرياضية وأسَّس الهندسة الديكارتية التي تتم بها دراسةُ الأشكال الهندسية ضمن نظام إحداثيات يدمج بين الهندسة المستوية والجبر. وفي الفيزياء، استخرج قوانين انتثار الضوء واكتشف مفهوم العمل. وقد وضع بفيزيائه الميكانيكية ونظريته في الحيواناتالآلات أسُس العلم الحديث. يُعتبَر كذلك من رواد العقلانية في الفلسفة الحديثة: فالكثير من الأفكار والفلسفات الغربية اللاحقة هي ثمرة التفاعل مع كتاباته التي دُرِّست وتدرَّس من أيامه حتى يومنا هذا. لذلك يُعد ديكارت أحد المفكرين الغربيين الأساسيين وأحد مفاتيح فهمنا للثورة العلمية والحضارة الحديثة[1].

أ. حياته ومؤلَّفاته الأساسية:

ولد رونيه ديكارت René Descartes (باللاتينية: Renato Cartesius) في 31 آذار 1596 في بلدة لاهاي من أعمال مقاطعة تورين بفرنسا لأسرة من صغار الأشراف الفرنسيين. كان أبوه مستشارًا ببرلمان مدينة رين، أما أمه فماتت بعد مولده بثلاثة عشر شهرًا. تلقى ديكارت علومه الأولى في مدرسة la Flèche الملكية، إحدى مدارس اليسوعيين، فبقي يتعلم بها ثماني سنوات، حيث أخذ عنها العلوم والفلسفة، فقضى السنوات الخمس الأولى في دراسة اللغات القديمة والثلاثة الأخيرة في دراسة المنطق والأخلاق والرياضيات والطبيعيات والميتافيزيقا. في العام 1629، قصد ديكارت هولندا ليتعلم صنعة الحرب على يد أشهر جندي في أوروبا، موريس دُه ناساو؛ وكان قد سبق ديكارت إلى "البلاد الواطئة" كثيرون من أشراف الفرنسيين، أرادوا مثله أن يخدموا تحت إمرة ذلك الجندي الذائع الصيت. توجَّه ديكارت بعد ذلك إلى هولندا، فلقي هناك طبيبًا مثقفًا ذا علم واسع بالرياضيات والطبيعيات اسمه اسحق بيكمَن، فصادقه.

وفي ليلة 10 تشرين الثاني 1619، في ألمانيا (حيث كان قد انخرط في قوات مكسيمليان الباڤاري)، انكشفت لديكارت، حدسًا، "أسُس علم بديع"، ذهب الفيلسوف اعتبارًا منه إلى أن مجموع العلوم يشكِّل وحدة مؤتلفة في الحكمة، أي في المعرفة التي نستقيها من أنفسنا.

في العام 1920، غادر ديكارت بلدة نويبرغ على نهر الدانوب، حيث تم له هذا "الاكتشاف"، وصرف السنوات التسع التالية متنقلاً في البلاد، متفرجًا على مسرح الدنيا. وفي العام 1628-1629، كتب رسالة صغيرة في الميتافيزيقا موضوعها وجود الله ووجود الروح، قصد بها تبسيط شيء من قواعد الطبيعيات السكولاستية. وهذا يدلنا على أن ديكارت كان يشتغل منذ العام 1629 على تحرير التأملات الميتافيزيقية الذي لم يرَ النور إلا في العام 1641.

الصفحة الأولى من كتاب الهندسة (1637).

نشر ديكارت في العام 1637 ثلاث رسائل علمية هي: البصريات والآثار العلوية والهندسة. وقد صدَّرها بمقدمة هي خطاب المنهج، حاول أن يبين فيه أنه استعمل منهجًا آخر غير المنهج الشائع، وأن هذا المنهج ليس أسوأ المناهج ولا أقبحها.

الصفحة الأولى من كتاب خطاب المنهج (1637).

ونشر ديكارت في العام 1641 كتاب تأملات ميتافيزيقية باللغة اللاتينية، وفيه يبرهن على وجود الله وخلود النفس. ولقد كانت آخر مؤلَّفات الفيلسوف رسالة في أهواء النفس (1649).

سافر إلى السويد (أسوج) بدعوة من الملكة كريستين ليلقِّنها بنفسه فلسفته، لكن الجو في ستوكهولم لم يلائم صحته؛ فضلاً عن أن الملكة حددت الساعة الخامسة صباحًا وقتًا للتباحث معه في الفلسفة، وكانت تلك الساعة المبكرة شاقة جدًّا على الفيلسوف. فأصيب بنزلة رئوية وتوفي صباح 11 شباط 1650.

2. منهجه العلمي وفلسفته: فلنبسط الآن الأسُس العامة لجديد الفكر الديكارتي الذي يتألف من فلسفة المعرفة والميتافيزيقا.

أولاً: فلسفة المعرفة (الإپستمولوجيا الديكارتية): يشبِّه ديكارت الفلسفة بشجرة، الميتافيزيقا جذورها والأخلاق ثمارها، بالإضافة إلى الميكانيكا والطب. وهذا يعني أن الميتافيزيقا ليست في أهمية المعرفة الأخلاقية، لأن مهمة الإنسان في هذه الحياة هي أن يكتشف مبادئ السلوك السليم التي تؤهله، مع سائر العلوم، ليكون سيد الطبيعة. الاهتمام بالمعرفة الميتافيزيقية، وبالفلسفة عامة، هو إذن وسيلة لبناء الحياة السعيدة. لكن هذا البناء السلوكي يشترط منهجًا في التفكير يقود إلى ضبط الحقائق. فما هو هذا المنهج؟

الصفحة الأولى من كتاب مبادئ الفلسفة (1644).

نظر بعض الفلاسفة إلى المسبقات a priori التي توارثوها على أنها "حقائق" لأنهم يعتبرون الآراء العامة السائدة بين الناس غير قابلة للنقاش، وبعضهم الآخر اعتبر أفلاطون وأرسطو مرجعَين لا يخطئان. فما هو المنهج الذي ينبغي لنا اتباعه لبلوغ الحقيقة؟ لا يملك الإنسان إلا وسيلتين للمعرفة اليقينية: الحدس والاستنتاج:

أ‌. الحدس: هو الذي يدرك، مباشرةً ويقينًا، بعض الأمور: كالقول مثلاً إن المثلث صورة، وإنه يتألف من ثلاث زوايا وثلاثة أضلاع. هذه المعلومات تشكل مبادئ بسيطة ومنطلقات موروثة.

ب‌. الاستنتاج: هو استخلاص نتائج ثابتة من بعض الطروحات، كمحاولة العثور، مثلاً، على حلٍّ للمسألة التالية: كيف يكون مجموع زوايا المثلث معادلاً لزاويتين قائمتين؟

بذا يعتقد ديكارت أن الحدس يدرك المبادئ الأولى والمباشرة في العلم والفلسفة، وأن الاستنتاج العقلي يضبط المحصلات المنطقية التي تنتج عن تركيب المبادئ السابقة الذكر. وبما أن الحدس والاستنتاج يعطيان نتائج تتحول إلى معتقدات مبهمة إذا لم تقترن بالتجربة، يجعل ديكارت التجربة شرطًا ثالثًا للحصول على اليقين في المعرفة. وهو يلاحظ في كتابه خطاب المنهج أن بعض القواعد الأخرى ضرورية لحسن استعمال المبادئ الثلاثة الآنفة الذكر:

1. القاعدة الأولى: ينبغي لنا السلوك في حذر، بتفادي التسرع والتهور، وعدمُ الركون إلى أمر ما بوصفه حقيقةً إلا إذا بدا لنا يقينًا أنه كذلك استنادًا إلى الموضوع في أفكارنا وإلى قدرتنا على التمييز بين الصحة والخطأ. ولا يتم هذا العمل إلا بممارسة الشك المنهجي. ويعني هذا النوع من الشك أن ننزع من تفكيرنا كلَّ ما لا يضبطه اليقين ضبطًا كاملاً، كلَّ ما يحتمل قدْرًا، وإنْ قليل، من الشك. هذه العمليات تهبنا إدراكًا واعيًا شديد الوضوح للمفاهيم والأفكار الثابتة غير المشكوك فيها، فنتصرف كالرجل الذي يود التفريق بين التفاحات العفنة والتفاحات السليمة التي يحملها في سلَّته: يفرغ هذه السلَّة، يفحص تفاحاته واحدة تلو الأخرى، ثم يضع التفاحات العفنة في جانب ويعيد ملء السلَّة بالتفاحات السليمة. هكذا ينبغي أن نجري عملية الفحص عن محتويات أفكارنا، فنهمل ما هو مشكوك فيه ولا نتخذ إلا المفاهيم والأفكار التي نتيقن منها.

2. القاعدة الثانية: تقضي بإجراء تحليل دقيق للمسائل، وصولاً إلى الأفكار البسيطة، فالأبسط منها.

3. القاعدة الثالثة: هي التركيب أو المؤالفة بين الأفكار البسيطة التي كشفها التحليل انطلاقًا نحو المفاهيم المركبة الأعقد في تدرُّج منطقي ينتج فيه المركب عن البسيط.

4. القاعدة الرابعة: هي القدرة على إعادة النظر في كلِّ ما سبق وحصلنا عليه عبر الحدس والاستنتاج، كما وعبر القواعد الثلاث الأولى. وهناك لا يكون للتجربة دورُ إثبات صحة ما وصلنا إليه وحسب، بل والتوصل إلى تتويج هذه الحصيلة بكشفٍ لأسرار عالمنا في الحقول كلِّها[2].


No comments: